سليانة نيوز ...
نخبنا: كمثل «حمير» الساقية!!!
-----------------------------------
بقلم: نصر الدين بن حديد
حين نتقيّد ـ من باب الأمانة العلميّة ـ بمعطى لا يمكن الاختلاف حوله بخصوص هذه التي نسمّيها «ثورة»، وجب أوّل الأمر أن نلاحظ الكمّ الكبير، بل السيلان ا
-----------------------------------
بقلم: نصر الدين بن حديد
حين نتقيّد ـ من باب الأمانة العلميّة ـ بمعطى لا يمكن الاختلاف حوله بخصوص هذه التي نسمّيها «ثورة»، وجب أوّل الأمر أن نلاحظ الكمّ الكبير، بل السيلان ا
لعارم من الكتابة والتعليق وكلّ أشكال التعبير، التي اجتاحت الانترنت عمومًا وكلّ وسائل الإعلام، منذ تهريب الرئيس الأسبق وانكسار منظومة الرقابة والقمع التي كانت في خدمته...
فجأة انفجر الجميع، ولم تصدح فقط ـ كما في ألف ليلة وليلة ـ شهرزاد بالكلام المباح، بل انقلبت الصورة وانطلق شهريار ـ الذي انكفأ زمن بن علي، من باب الخوف أو التقية أو اللامبالاة، أو هو الطمع في بعض الفتات ـ «بطلا» مغوارًا، يملك القدرة على «شتم» النظام الذي نقول أنّه انهار، والتشهير بأزلامه ونعت فلوله بكلّ الأوصاف...
حين ندرس كتب التاريخ ونحلّل مسار الثورات، نجد أنّ هذه الثورات جميعا أقدمت على تهديم السابق واجتثاثه من الجذور وعملت ـ على الأقل شكليا ـ على التأسيس لقواعد جديدة، إلاّ هذه «الثورة»... لم تعمل من خلال الاستئصال والاجتثاث، بل عبر «تلوين الموجود» و«تغييب المزعج»...
حين نحصر النظر إلى وسائل الإعلام، لسهولة الاطلاع عليها ويسر العثور على المادّة، تصدمنا حقيقة أولى: انطلق الجميع دون حسيب أو رقيب في التعبير بل في الانتصاب مرجعا «أخلاقيا» وما يتبع من مستلزمات هذه «الثورة» من شعارات رنّانة ومقولات برّاقة....
مرّ عام أو يزيد، بل نشرف على استكمال الحولين بعد أشهر، لنرى ونشهد دائما هذا السيل أو هو الطوفان من الشعارات الثوريّة أوّلا، وثانيا ـ وهنا الخطورة ـ أنّ جذوة هذه «الثورة» هي كمثل قصّة علي الدوعاجي، حين تحلّق زوجان حول يرقة وقد حسباها جمرة بثّت فيهما الدف ليلاًء، ليكتشف عند الصباح خطورة الوهم الذي سيطر عليهما...
نعيش أزمة نخب بأتمّ معنى الكلمة، بل أكثر من ذلك، قدرة من هبّ ودبّ على أن يقول ما شاء وأراد، ليتحوّل، من باب الصدفة حينًا والتلاعب أحيانًا عديدة، إلى جزء من هذه «النخبة»... صارت النخب كمثل المواد الاستهلاكيّة يطلّ علينا هذا لنرفعه مقامًا محمودًا، ثمّ ننساه ونتناساه، إن لم ننقلب عليه ونجعله أحطّ من «الشيطان الرجيم»، بل صارت صناعة «النخب» واستهلاكها، في دوران على وتيرة تتصاعد...
يمكن دون جرد دقيق، أن نلقي نظرة إلى هذه البلاد، منذ تهريب الرئيس الأسبق، ونرى كمّ الأسماء التي صعدت فجأة، واختفت دون أن نشعر بذلك... بل يصدمنا أكثر من الظهور والاختفاء، ذلك الهيام والهوس من قبل البعض بهذه الأسماء، فهذا صار «قدّيسًا»، وذاك «أيقونة» هذه «الثورة»، وثالث، صار على صفحات الانترنت والمسيرات، ذلك الرمز الذي تجاوز الرموز جميعها...
من يصنع هذه النخب؟ ومن يرفعها هذا المقام؟ من يسيطر على هذه الجدليّة؟؟؟
هل وجب لذلك أن نسقط في راحة وهدوء إلى نظريّة «المؤامرة»، ومن ثمّة نؤمن في يقين ونصدّق في براءة، بوجود «مطبخ» سرّي، يعمل تحت الأرض بالضرورة وبعيدًا عن الأعين، من أجل تصعيد هذا والحطّ من ذاك والسيطرة على ثالث وإخفاء رابع إلى حين، أم وجب أنّ نصدّق فعلا وحقيقة أنّ هذه «النخب» الصاعدة كالفراشات والمحترقة مثلها، تأتي نتاجًا طبيعيا لهذا الشعب، وأنّ علينا، عوض تسليط الأضواء على هذه «النخب» البدء بتسليط الأضواء جميعها على هذا الشعب بأكمله...
نعلم جميعًا، منذ أن نشأت الحياة على الأرض، حاجة البشر إلى فرز نخب تتحمل مسؤوليات القيادة، وتلعب دورها «التاريخي» سواء على مستوى الفعل المباشر أو الرمز الكامن... أين تونس من هذه الرموز وأين البلاد من هذا الفعل؟؟؟
تتخذ علوم السياسية وجميع الاختصاصات المشابهة من أسلوب فرز النخب في أي مجموعة بشريّة، دليلا على مدى نضج هذا المجتمع ومدى استقراره، وأساسًا مدى قدرته على مقاومة الهزّات، مهما كانت ومهما تكن الجهات التي تريد وتعمل على تجاوز الاستقرار الاجتماعي...
أكثر من ذلك، بل أخطر من كلّ ما جدّ، أن صار الانترنت الوسيلة المثلى لتصنيع النخب، بل حين نرى صورة هذا قد انتشرت على «بروفيلات» المواقع الاجتماعية، دون أن نعلم حقّا أصل من أتى هذا الفعل وفصله، وبالتالي نحن أمام تصنيع «صورة النخبة» أكثر من صياغة شخصية بحدّ ذاتها... نحن بين صورة يبتدعها هذا وتسويق يتكفّل به ذاك، وتأثير يتراكم بين هذا وذاك...
يبرز هذا المنطق جليّا، حين نرى القنوات التلفزيونيّة والمحطات الإذاعيّة وحتّى الصحف والمواقع الالكترونيّة، تلتفت نسبة منها إلى شخص بعينه، وتجعله المصدر والمحاور والموضوع في الآن ذاته، كأنّ في الأمر رابط بينها لا نراه، بل نستكشفه كما نستكشف الريح من تمايل الأغصان..
انتقلنا من زمن بن علي، حين استفرد النظام وحده، أو هو أراد بصناعة «نخبه»، بل كذلك صنع من خلال القمع «نخبًا» قدّمت التضحيات وبذلت الصحّة والحياة أحيانًا...
كيف نصنع نخبنا الآن؟؟؟
من المفترض ـ في الآن ذاته ـ أن تقود النخب «الثورة»، وأن يفرز الشعب «الثائر» نخبا تؤدّي هذا الدور... أوّلها تأمين استحقاقات هذه «الثورة» من تحويل شعارات العدالة والحرية والكرامة، من كلمات منطوقة إلى واقع نعيشه، أو على الأقلّ نستشعر أنّ المسألة في طور الانجاز وفي طريق الاستكمال...
ماذا نرى؟؟؟؟
لا يرى البعض خطورة فقط في ما نشهده من مرارة استشرت لدى أهل الحكم حين أطلق أتباعهم حملة «أكبس» أو المعارضات الغاضبة بطبيعتها، بل في ما نراه من تدهور مستمر سواء لأداء هذه النخب جميعها أو سوء تصرّف البعض تجاه البعض... الكلّ يقدّس الذات ويرى المخالف مدنّسا، والكلّ يرى في نفسه مثالا وفي أعدائه مثال الفساد الواجب استئصاله...
لا يمكن لهذه البلاد أن تتجاوز حجر «سيزيف» هذا المنحدر إلى الأسفل، دون استفاقة نخبه، أوّلا حين يفهم العمق الشعبي أنّ وعي هذا العمق أفضل بكثير من الكثير من هذه النخب، وثانيا والأهمّ، حين تفهم هذه النخب أنّها لا تحمل تفوقا على هذا الشعب، بل فقط هي تؤدّي دورًا تاريخيا، حين غاب التاريخ وعيها...
منقول عن صفحة: تانيت برس
فجأة انفجر الجميع، ولم تصدح فقط ـ كما في ألف ليلة وليلة ـ شهرزاد بالكلام المباح، بل انقلبت الصورة وانطلق شهريار ـ الذي انكفأ زمن بن علي، من باب الخوف أو التقية أو اللامبالاة، أو هو الطمع في بعض الفتات ـ «بطلا» مغوارًا، يملك القدرة على «شتم» النظام الذي نقول أنّه انهار، والتشهير بأزلامه ونعت فلوله بكلّ الأوصاف...
حين ندرس كتب التاريخ ونحلّل مسار الثورات، نجد أنّ هذه الثورات جميعا أقدمت على تهديم السابق واجتثاثه من الجذور وعملت ـ على الأقل شكليا ـ على التأسيس لقواعد جديدة، إلاّ هذه «الثورة»... لم تعمل من خلال الاستئصال والاجتثاث، بل عبر «تلوين الموجود» و«تغييب المزعج»...
حين نحصر النظر إلى وسائل الإعلام، لسهولة الاطلاع عليها ويسر العثور على المادّة، تصدمنا حقيقة أولى: انطلق الجميع دون حسيب أو رقيب في التعبير بل في الانتصاب مرجعا «أخلاقيا» وما يتبع من مستلزمات هذه «الثورة» من شعارات رنّانة ومقولات برّاقة....
مرّ عام أو يزيد، بل نشرف على استكمال الحولين بعد أشهر، لنرى ونشهد دائما هذا السيل أو هو الطوفان من الشعارات الثوريّة أوّلا، وثانيا ـ وهنا الخطورة ـ أنّ جذوة هذه «الثورة» هي كمثل قصّة علي الدوعاجي، حين تحلّق زوجان حول يرقة وقد حسباها جمرة بثّت فيهما الدف ليلاًء، ليكتشف عند الصباح خطورة الوهم الذي سيطر عليهما...
نعيش أزمة نخب بأتمّ معنى الكلمة، بل أكثر من ذلك، قدرة من هبّ ودبّ على أن يقول ما شاء وأراد، ليتحوّل، من باب الصدفة حينًا والتلاعب أحيانًا عديدة، إلى جزء من هذه «النخبة»... صارت النخب كمثل المواد الاستهلاكيّة يطلّ علينا هذا لنرفعه مقامًا محمودًا، ثمّ ننساه ونتناساه، إن لم ننقلب عليه ونجعله أحطّ من «الشيطان الرجيم»، بل صارت صناعة «النخب» واستهلاكها، في دوران على وتيرة تتصاعد...
يمكن دون جرد دقيق، أن نلقي نظرة إلى هذه البلاد، منذ تهريب الرئيس الأسبق، ونرى كمّ الأسماء التي صعدت فجأة، واختفت دون أن نشعر بذلك... بل يصدمنا أكثر من الظهور والاختفاء، ذلك الهيام والهوس من قبل البعض بهذه الأسماء، فهذا صار «قدّيسًا»، وذاك «أيقونة» هذه «الثورة»، وثالث، صار على صفحات الانترنت والمسيرات، ذلك الرمز الذي تجاوز الرموز جميعها...
من يصنع هذه النخب؟ ومن يرفعها هذا المقام؟ من يسيطر على هذه الجدليّة؟؟؟
هل وجب لذلك أن نسقط في راحة وهدوء إلى نظريّة «المؤامرة»، ومن ثمّة نؤمن في يقين ونصدّق في براءة، بوجود «مطبخ» سرّي، يعمل تحت الأرض بالضرورة وبعيدًا عن الأعين، من أجل تصعيد هذا والحطّ من ذاك والسيطرة على ثالث وإخفاء رابع إلى حين، أم وجب أنّ نصدّق فعلا وحقيقة أنّ هذه «النخب» الصاعدة كالفراشات والمحترقة مثلها، تأتي نتاجًا طبيعيا لهذا الشعب، وأنّ علينا، عوض تسليط الأضواء على هذه «النخب» البدء بتسليط الأضواء جميعها على هذا الشعب بأكمله...
نعلم جميعًا، منذ أن نشأت الحياة على الأرض، حاجة البشر إلى فرز نخب تتحمل مسؤوليات القيادة، وتلعب دورها «التاريخي» سواء على مستوى الفعل المباشر أو الرمز الكامن... أين تونس من هذه الرموز وأين البلاد من هذا الفعل؟؟؟
تتخذ علوم السياسية وجميع الاختصاصات المشابهة من أسلوب فرز النخب في أي مجموعة بشريّة، دليلا على مدى نضج هذا المجتمع ومدى استقراره، وأساسًا مدى قدرته على مقاومة الهزّات، مهما كانت ومهما تكن الجهات التي تريد وتعمل على تجاوز الاستقرار الاجتماعي...
أكثر من ذلك، بل أخطر من كلّ ما جدّ، أن صار الانترنت الوسيلة المثلى لتصنيع النخب، بل حين نرى صورة هذا قد انتشرت على «بروفيلات» المواقع الاجتماعية، دون أن نعلم حقّا أصل من أتى هذا الفعل وفصله، وبالتالي نحن أمام تصنيع «صورة النخبة» أكثر من صياغة شخصية بحدّ ذاتها... نحن بين صورة يبتدعها هذا وتسويق يتكفّل به ذاك، وتأثير يتراكم بين هذا وذاك...
يبرز هذا المنطق جليّا، حين نرى القنوات التلفزيونيّة والمحطات الإذاعيّة وحتّى الصحف والمواقع الالكترونيّة، تلتفت نسبة منها إلى شخص بعينه، وتجعله المصدر والمحاور والموضوع في الآن ذاته، كأنّ في الأمر رابط بينها لا نراه، بل نستكشفه كما نستكشف الريح من تمايل الأغصان..
انتقلنا من زمن بن علي، حين استفرد النظام وحده، أو هو أراد بصناعة «نخبه»، بل كذلك صنع من خلال القمع «نخبًا» قدّمت التضحيات وبذلت الصحّة والحياة أحيانًا...
كيف نصنع نخبنا الآن؟؟؟
من المفترض ـ في الآن ذاته ـ أن تقود النخب «الثورة»، وأن يفرز الشعب «الثائر» نخبا تؤدّي هذا الدور... أوّلها تأمين استحقاقات هذه «الثورة» من تحويل شعارات العدالة والحرية والكرامة، من كلمات منطوقة إلى واقع نعيشه، أو على الأقلّ نستشعر أنّ المسألة في طور الانجاز وفي طريق الاستكمال...
ماذا نرى؟؟؟؟
لا يرى البعض خطورة فقط في ما نشهده من مرارة استشرت لدى أهل الحكم حين أطلق أتباعهم حملة «أكبس» أو المعارضات الغاضبة بطبيعتها، بل في ما نراه من تدهور مستمر سواء لأداء هذه النخب جميعها أو سوء تصرّف البعض تجاه البعض... الكلّ يقدّس الذات ويرى المخالف مدنّسا، والكلّ يرى في نفسه مثالا وفي أعدائه مثال الفساد الواجب استئصاله...
لا يمكن لهذه البلاد أن تتجاوز حجر «سيزيف» هذا المنحدر إلى الأسفل، دون استفاقة نخبه، أوّلا حين يفهم العمق الشعبي أنّ وعي هذا العمق أفضل بكثير من الكثير من هذه النخب، وثانيا والأهمّ، حين تفهم هذه النخب أنّها لا تحمل تفوقا على هذا الشعب، بل فقط هي تؤدّي دورًا تاريخيا، حين غاب التاريخ وعيها...
منقول عن صفحة: تانيت برس
